أ.د.هند تركي السديري♦
احتفالية يوم التأسيس ترمز إلى معانٍ كثيرة؛ أهمها النمو والأمن والاستقرار لدولة تعود جذورها إلى القرن الخامس عشر الميلادي؛ وهي بذلك قد تكون الأعمق تاريخاً في محيطها العربي، حيث تأسست على يد الأمير مانع المريدي، الذي أنشأ الدرعية حاضرة الدولة السعودية، وتقع الآن ضمن مدينة الرياض. تقف الدرعية على الرغم من مرور مئات السنين شامخةً؛ تشهد قصورها ومبانيها بعظمة حكامها وشعبها المخلص الذي ذاد عنها بكل نفيس وحافظ عليها. حين تكونت إمارة الأمير مانع المريدي، استطاع أن يجعل من الدرعية إمارة وادعة وحاضرة تجارية على وادي حنيفة، وبقيت كذلك حتى تولى الحكمَ المؤسسُ السياسيُّ للدولة السعودية الأولى، والتي امتدت حتى الآن، الإمامُ محمد بن سعود، عام 1727م. إمارة الإمام محمد بن سعود لم تنحصر في الدرعية؛ ولكنها تجاوزتها إلى معظم مناطق العارض والوشم وسدير. دولة استطاعت أن تجعل من نجد منطقة آمنة لحجاج بيت الله ومنطقة تجارية تمر بها القوافل دون خوف من السلب والموت. حكمَ الإمامُ قرابة الأربعين عاماً، ووحَّد شطرَي الدرعية لتقوى بذلك شوكة الدولة، وتوفي بعد أن أرسى قواعد دولة توسعت وازدهرت.
اقرأ أيضًا: المرأة السعودية تحتفي بالوطن.. والوطن يحتفي بها
ومن هنا كانت النواة لدولة وحضارة امتدت إلى يومنا هذا، وشملت أراضي مترامية الأطراف تقترب من حجم قارة، ولم يعجز هذا حكامها على مر عصورها من العمل على استقرارها وازدهارها. ذكر زهو الشعب السعودي بحكامه ممثلاً بالملك عبدالعزيز، الصحفي الكبير تركي السديري؛ حين كتب “إنما يأتي التباهي به على أنه تاريخ انطلاق شخصية أُمة.. وحدة مجتمع.. منهجية حضور دولي.. فهو مكسب شعب؛ لأنه منطلق حضور شعب.. في جغرافيته الإقليمية أو في عضويته الدولية”. الدولة السعودية منذ نشأتها حرصت على تأصيل مفهوم الدولة وسيادة قانون الإسلام بدلاً من سطوة القبيلة والعصبية القبلية والتي نهى عنها الإسلام.

يُقَسِّم التاريخُ الدولةَ السعودية إلى ثلاث حقب تاريخية؛ تفصل بينها سنوات قليلة لا تعد بعمر الدول. ومن وجهة نظري، هي دولة واحدة ممتدة تستكين حيناً بسبب اجتياحات خارجية وعداوات محلية من أمراء إمارات محلية؛ لكنها لا تلبث أن تنهض قوية تنتفض وتتجدد راسخة جذورها في أرضها وفي قلوب شعبها الوفي لها والمخلص لحكامها الذين دأبوا على تقدير هذا الشعب الأمين الأبي، وفتح أبوابهم للجميع، ومعرفة شخوصه وتقريبهم والعمل على رفعتهم.
اقرأ أيضًا: “التأسيس” وبداية التاريخ
نحن اليوم نحتفل بذكرى التأسيس الرسمي لدولتنا الحاضرة بقوة على خارطة العالم المتقدم؛ دولة تقود ولا تنقاد. نرفع رؤوسنا بكل فخر. استظلينا بها بالعدل والمساواة بين الجميع. وأقتبس من تركي السديري، رحمه الله، حديثه عن خادم الحرمَين الشريفَين الملك سلمان، حفظه الله، “الملك سلمان اليوم وهو مَن اهتم بتوثيق تاريخ الملك المؤسس، يعود ليذكر المسؤول والمواطن عن الحقوق والمسؤوليات، وأن لا أحد يعلو على القانون.. إنها الدولة المؤسسة الحضارية لإدارة الموارد الوطنية وحسن استثمارها، وأهم ما لدى الدولة هو ثروتنا البشرية؛ أي المواطن”. هذا الاهتمام بالمواطن والإيمان به هو ما دعا ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، إلى أن يُسميه “طويق”؛ مُسمى له إيحاءات عديدة، يعبر عن ثقة القيادة بشعبها وعن عمق الانتماء والتمازج الفريد بين قيادتنا وشعبنا.
♦كاتبة سعودية تشغل منصب العميد المساعد لشؤون الطلاب بجامعة الفيصل.