نقلا عن عين أوروبية على التطرف
د.جوشوا سيناي
على الرغم من مضي أكثر من عام على استيلاء طالبان على أفغانستان في أغسطس 2021، فإن تداعيات الحدث على الشرق الأوسط وأوروبا، وتفاقم المشكلات المستمرة ذات الصلة في كلتا المنطقتين، لا يزال قائمًا ومتصاعدًا. ويركِّز هذا التحليل على استيلاء طالبان على أفغانستان، وكيف امتد تأثيره إلى الشرق الأوسط وأوروبا. تعاني أفغانستان تحت حكم طالبان القاسي حالة انعدام القانون وعدم الاستقرار وانتهاكات حقوق الإنسان بشكلٍ عام. في الواقع، فجّر استيلاء طالبان على الدولة واحدةً من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، كونها تؤثِّر على سكانها كافة. لقد انهار اقتصاد أفغانستان عمليًا، حيث يواجه ما يقدَّر بنحو 23 مليون شخص (من إجمالي 38.9 مليون نسمة في عام 2020) الجوع الحاد.
وفي حين أن مستوى الصراع الداخلي العنيف قد انخفض مقارنةً بالوضع قبل أغسطس 2021 عندما كانت طالبان هي المسؤول الأول عن التمرد في الدولة، فإن عمليات القتل المستهدف الأخيرة، والهجمات المنهجية التي شنها تنظيم داعش-خراسان ضد الأقليات الدينية والعرقية، مثل الهزارة الشيعة، وعمليات القتل الانتقامية من قبل طالبان ضد المسؤولين الحكوميين والعسكريين السابقين، قد زادت بصورةٍ كبيرة.
دولة راعية للإرهاب
في ظلِّ تقديم طالبان ملاذًا لتنظيم القاعدة، الذي قُتل زعيمه أيمن الظواهري على يد القوات الخاصة الأمريكية في مخبئه في كابول في 31 يوليو 2022، عادت أفغانستان طالبان، مرة أخرى، دولة راعية للإرهاب. علاوة على ذلك، تواصل طالبان ممارستها القاسية السابقة المتمثلة في اضطهاد النساء من خلال الحدِّ من حرياتهن المدنية، وحقوقهن المتساوية في التعليم والعمل. وقد أسهمت كل هذه الاتجاهات السلبية في تدفق ما يقدَّر بخمسة ملايين لاجئ نازح داخليًا، مع فرار سبعة ملايين لاجئ أفغاني آخر في جميع أنحاء العالم إلى الدول المجاورة، مثل باكستان وإيران، فضلًا على دولٍ أخرى في الاتحاد الأوروبي.
نظرًا لقلق المجتمع الدولي من أن تتحدى أفغانستان المعايير الدولية، مرة أخرى، في مجالاتٍ مثل حقوق الإنسان والاتجار بالمخدرات، وتتحوّل إلى ملاذٍ آمنٍ للإرهابيين والشبكات الإجرامية، يواصل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فرض عقوباتٍ اقتصادية وسياسية ضد نظام طالبان. هذه المخاوف دفعت البنوك الغربية إلى تجميد أموال الحكومة الأفغانية. وفي ضوء هذه الخلفية، يجب دراسة تأثيرات حكم طالبان الحالي على الشرق الأوسط وأوروبا.
المستفيدون
تأثير استيلاء طالبان على أفغانستان على الشرق الأوسط ذو شقين. فهناك دول قد تكون مستفيدة وأخرى متضررة. أكبر المستفيدين من استيلاء طالبان على السلطة، هما قطر وإيران. في الواقع، لطالما كانت قطر الداعم لطالبان، حيث عملت كوسيط بين طالبان والولايات المتحدة منذ عام 2013 من خلال استضافة الوفد السياسي لطالبان رسميًا في الدوحة، حيث عقدت مفاوضات السلام التي تهدف إلى إنهاء الصراع الأفغاني. ونتيجة لذلك، من المرجح أن تستفيد قطر دبلوماسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، من توثيق العلاقات مع أفغانستان التي تحكمها طالبان.
إيران بدورها تستفيد أيضًا من استيلاء طالبان على أفغانستان. إذ يتقاسم حكام إيران وطالبان مصالح جيواستراتيجية مشتركة، مصالح كانت مفقودة في ظل الحكومة الأفغانية السابقة. ومن المرجَّح أن تسهم هذه المصالح المشتركة في التخفيف من أي عدم استقرار عبر حدودهما المشتركة في شكل تدفقات اللاجئين إلى إيران، وإن كان التدفق الكبير للاجئين الأفغان يضع ضغطًا عليها بالفعل.
فإيران تستضيف قرابة 780,000 لاجئ أفغاني مسجل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتأتي في المرتبة الثانية بعد باكستان التي تستضيف قرابة 1.4 مليون لاجئ. ومع ذلك، يُقال إن إيران تستضيف أيضًا 3 ملايين لاجئ أفغاني إضافي غير موثق.
المتضررون
من ناحيةٍ أخرى، نجد أن لاستيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان تداعيات سلبية عديدة على دول الشرق الأوسط الأخرى، خاصة في شكل حركات التمرد المناهضة للحكومة. ذلك أنه مع استضافة طالبان لجماعاتٍ إرهابية عبر وطنية، مثل تنظيم القاعدة، هناك قلق من أن تعود أفغانستان ملاذًا آمنًا لهذه الجماعات التي قد تستخدم المناطق الخارجة عن القانون في الدولة لإعادة تجميع صفوفها، وشن هجمات في الشرق الأوسط، وأماكن أخرى. وبالتالي، تخشى حكومات الشرق الأوسط من أن يشجّع النجاح المذهل لطالبان في الاستيلاء على أفغانستان الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط على حشد مجندين وعملاء جدد لتنفيذ هجماتٍ أكثر طموحًا، والسعي في الوقت ذاته إلى محاكاة استراتيجية طالبان في حروب التمرد.
ثمة مصدر قلق موازٍ آخر يتمثل في أن الجماعات المتمردة في الشرق الأوسط ستسعى الآن إلى محاكاة طالبان في إضفاء الشرعية السياسية على مكاسبها الإقليمية، كون أن استيلاء طالبان على أفغانستان لم يؤدِّ إلى أي أعمال عسكرية دولية ضدها. ومن الأمثلة على ذلك حركة حماس الفلسطينية، التي هنأت على الفور حركة طالبان على استيلائها على السلطة. إضافة إلى ذلك، فإن القبول الدولي لاستيلاء طالبان على السلطة يُجرِّئ حزب الله اللبناني والحوثيين اليمنيين. إذ يأملون في الحصول على القبول العالمي نفسه لاستيلائهم على الدولة، إذا نجحوا في القيام بذلك.
لمواجهةِ تجرُّؤِ الجماعات المتمردة في الشرق الأوسط، أصبحت الدول العربية، مثل دول الخليج والمملكة العربية السعودية، على وجه الخصوص، أكثر حزمًا في السعي لتحقيق مصالحها الخاصة، والتحوّط ضد محاولات إيران ووكلائها، مثل حزب الله والحوثيين وغيرهم، من شن هجمات عدوانية محتملة.
استثمارات ضائعة
من ناحيةٍ أخرى، أثّر استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان على أوروبا بطرقٍ عدة تبعث على القلق، تختلف عن الطريقة التي أثّر بها على الشرق الأوسط. أحد هذه الاختلافات هو أن العديد من الدول الأوروبية ضخت استثمارات كبيرة لدعم الحكومة الأفغانية السابقة، من حيث القوات والإمدادات العسكرية، فضلًا على المساعدات الإنسانية، التي ذهبت أدراج الرياح بمجرد استيلاء طالبان على مقاليد السلطة.
علاوة على ذلك، فإن الحاجة إلى الإجلاء السريع لموظفي المساعدة الإنسانية في أفغانستان أو حماية من تبقى منهم، قد ضاعفت النهاية الكارثية لمشروع التدخل في الدولة. شملت هذه الجهود، على وجه الخصوص، إدارة أفضل الطرق لإخراج مواطنيها، والأفغان الذين عملوا معهم، من الدولة إلى أوروبا بأكثر الطرق أمانًا.
عبء اللاجئين
التأثير الثاني لاستيلاء طالبان على أفغانستان على دول الاتحاد الأوروبي يتمثل في العبء الهائل الذي فرضه التدفق الكبير للاجئين الأفغان إلى أوروبا على مواردها الاقتصادية والاجتماعية. وكما ذُكر سابقًا، أثار حكم طالبان القاسي أزمة لاجئين كبيرة في شكل نزوحٍ داخلي، وتدفق دولي إلى الخارج.
وتقدِّر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن 90 بالمائة من اللاجئين الأفغان البالغ عددهم 2.6 مليون لاجئ يعيشون في إيران وباكستان المجاورتين، بينما لجأ الباقون إلى أوروبا. وقد دفع ذلك الحكومات الأوروبية إلى البحث عن حلولٍ لإدارة تدفق طالبي اللجوء الأفغان.
ابتداءً من أبريل 2021، على سبيل المثال، بلغ عدد طالبي اللجوء الأفغان في دول الاتحاد الأوروبي ما يقدر بنحو 100,000 شخص. ولعل أحد المؤشرات التي تبعث على التفاؤل، أنه تمت تسوية 28,700 حالة من طلبات اللاجئين الأفغان، واستقر معظمهم في ألمانيا، من بين دولٍ أخرى. وهذا يفي بغالبية وعد الاتحاد الأوروبي بقبول 36,000 لاجئ أفغاني عملوا مع التحالف الغربي في أفغانستان، وكانوا عُرْضةً للاستهداف من قبل نظام طالبان.
ومع ذلك، فلا تزال دول الاتحاد الأوروبي تواجه معضلة كيفية إدارة التدفق الهائل للاجئين الأفغان بأكبر قدرٍ من الكفاءة. ذلك أنه يتعين عليها حل قضايا إعادة توطين اللاجئين، مثل كيفية تسهيل لم شمل الأسر، وإنشاء برامج رعاية مجتمعية للوافدين الجدد، وتوفير فرص التعليم والعمل لهم.
على الجانب الإيجابي، رحّبت العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا والسويد وتركيا، بطالبي اللجوء الأفغان، على الرغم من مواجهة مشكلات في إدارة اندماجهم في مجتمعاتها. استضافت تركيا، على سبيل المثال، ما يقدر بنحو 300,000 أفغاني وصلوا قبل وبعد استيلاء طالبان على السلطة في أغسطس 2021.
ومع ذلك، بحلول منتصف عام 2022 -مع وجود قرابة أربعة ملايين لاجئ سوري بالفعل في تركيا- بدأ قبول تدفق هائل إضافي من اللاجئين الأفغان يمثِّل مشكلة، ولا سيّما بالنظر إلى ارتفاع معدل التضخم والمتاعب الاقتصادية التي تواجهها الدولة.
دورس مستفادة
رغم ما سبق ذكره، اتجهت دول أخرى في الاتحاد الأوروبي إلى تقييد دخول اللاجئين الأفغان. إذ تسعى النمسا واليونان والمجر، على وجه الخصوص، لأسبابٍ مختلفة، إلى تقييد دخولهم إليها باعتبارها “بوابات للتدفقات غير النظامية إلى الاتحاد الأوروبي”. ويُعزى ذلك إلى تجربتهم السلبية في إدارة تدفق مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين فرّوا من الحرب الأهلية في بلادهم بعد عام 2014، فضلًا على ارتفاع معدلات التضخم والبطالة.
ومع تصاعد المشاعر المعادية للاجئين المهاجرين في دولٍ، مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا والسويد، زادت احتمالات قيام الأحزاب السياسية اليمينية بتشكيل حكومات في تلك الدول، ما أدّى بدوره إلى تشديد القيود على دخول اللاجئين الأفغان (والسوريين).
وأخيرًا، هذه القضايا تدفع الدول الأوروبية إلى بحث الدروس المستفادة من التجربة الأفغانية بشأن سياساتها المتعلقة بالأمن والاستقرار والعلاقات مع الولايات المتحدة والقوى الإقليمية الأخرى والهجرة وغيرها من القضايا. وعليه، يدرس الاتحاد الأوروبي الآن تداعيات التدخلات المستقبلية على دول الناتو، وما إذا كانت هذه التدخلات ناجعة من الناحية الجيواستراتيجية على المدى الطويل.
درسٌ آخر في التدخل الأجنبي يتعلق بجدوى إنشاء بعثات المساعدة الإنسانية، ولا سيّما في دولٍ مثل أفغانستان، نظرًا لارتفاع مستويات الاضطراب الداخلي والعنف المستمرين.
الخلاصة
في ظلِّ معاناة طالبان من مستوياتٍ مرتفعة من الفوضى الداخلية، واستمرارها في حكمها الديني القاسي، من المرجح أن يزداد تدفق اللاجئين من الدولة، ما يضعف قدرة الدول المجاورة، فضلًا على أوروبا، على استيعابهم. نجاح طالبان في الاستيلاء على أفغانستان يحفِّز بالفعل الجماعات الإسلاموية المتمردة في الشرق الأوسط، وأماكن أخرى، على تكثيف تمردها.
فشل طالبان -بشكلٍ عام- في قيادة أفغانستان يُشكِّل مصدر قلق للدول المجاورة وأوروبا والشرق الأوسط الكبير. وفي هكذا وضع، ستستمر الجريمة المنظمة، والاتجار بالمخدرات، والتدفقات الهائلة من اللاجئين في التأثير على الشرق الأوسط وأوروبا ومناطق أخرى.
وختامًا، يمكن القول بأن مسار أفغانستان تحت حكم طالبان في السنوات المقبلة ينذر بأنها ستكون مرتعًا للإرهاب، وملاذًا آمنًا للتنظيمات الإرهابية. ومن أسفٍ، أن أفغانستان الآن دولة تحرم شعبها، خاصة النساء، من حقوقه الأساسية، وتجبره على العيش في ظلِّ نظامٍ اقتصادي واجتماعي فاشل.
(*) الدكتور جوشوا سيناي: بروفيسور الاستخبارات ودراسات الأمن العالمي، في جامعة كابيتول تكنولوجي، لوريل، ولاية ماريلاند.