نقلا عن عين أوروبية على التطرف
عقد معهد الدراسات السياسية الدولية في ميلانو حلقة نقاشٍ بعنوان “اتجاهات الإرهاب الجديدة ومكافحة التطرف في منطقة البحر الأبيض المتوسط” في 16 فبراير، في إطار منتدى روما لحوارات المتوسط 2022. يعتبر منتدى روما لحوارات المتوسط مبادرة سنوية رفيعة المستوى، تدعمها وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإيطالية، والمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، بهدف تحليلِ التحديات الحالية في هذا المجال، وتقديم أفكارٍ ومقترحات جديدة وصياغة “أجندة إيجابية” جديدة على المستويين الإقليمي والدولي.
ترأست اللجنة المعنية باتجاهات الإرهاب، كيارا سلموني، المؤسس المشارك ورئيس شركة START InSight المعنية بالقضايا الجيوسياسية والتطرف، والمدير المشارك لمرصد الإرهاب ومكافحة التطرف في إيطاليا (ReaCT)، حيث تناولت الشكلَ الجهادي للتطرف. وضمتِ الحلقة النقاشية ما يلي:
- جيل كيبيل؛ بروفيسور في جامعة باريس للعلوم والآداب، وجامعة سويسرا الإيطالية (USI).
- آمنة بن عرب؛ أستاذة مساعدة في جامعة صفاقس.
- جولي كولمان؛ رئيسة برنامج مكافحة التطرف العنيف، المركز الدولي لمكافحة الإرهاب (ICCT).
- أنطونيو جيوستوزي؛ باحث مشارك في برنامج التطرف والإرهاب الدولي في معهد الدراسات السياسية الدولية (ISPI).
في مداخلة مسجلة مسبقًا، أوضح جيل كيبيل، أحد كبار الباحثين المتخصصين في دراسة الإسلام والإسلامويين على مستوى العالم، مفهوم “المناخ الجهادي” (jihadism of atmosphere) ويعني الأشكال الجديدة من العنف والهجمات الجهادية التي ظهرت بعد سقوط داعش كـ “دولة” في عام 2019. في الواقع، على الرغم من أن التنظيم لا يزال قائمًا على الأرض، فإنه حتى الآن لا يملك القدرة على شنِّ هجماتٍ في الخارج، كما كان من قبل. وهذا هو السبب في أننا شهدنا عددًا من الهجمات التي لم تُرتكب مباشرة من قبل التنظيم.
تشدد فكرة “المناخ الجهادي” على دور الدعاية و”التلوث” بالأفكار الجهادية، وليس التلقين من القمة إلى القاعدة الذي يمكن للتنظيمات القيام به. من الواضح أن محاربة المناخ الجهادي أصعب بكثير، وتزيد من تعقيد النقاش حول العلاقة بين حرية التعبير والأمن.
وفي معرض حديثه عن برامج مكافحة التطرف، يرى كيبيل أن معظم برامج الاتحاد الأوروبي أُجريت في ظلِّ خوفٍ من معالجة القضايا العقائدية، التي قد تجعل الجهات الفاعلة المعنية أكثر عرضة لاتهامات الإسلاموفوبيا. ونتيجة لذلك، جزئيًا، فإن دراسة الإسلام في أوروبا قد ضيقت نطاقها وجودتها، مع بعضِ الاستثناءات المهمة بشكلٍ واضح، مثل جامعة الدراسات الشرقية في نابولي.
من جانبها، تذكرنا جولي كولمان بأن كلَّ عملية تطرف هي مسار فردي للغاية. ومع ذلك، يمثل المتطرفون مجموعة غير متجانسة جدًا، وإن كانت هناك عناصر مشتركة مهمة تجمع بينهم. على سبيل المثال، تشير كولمان إلى عناصر ثلاثةٍ: الاحتياجات، والسرديات، والشبكات. تتفاعل هذه العناصر معًا لتشكِّل عمليات التطرف.
من جانبها، ركزت آمنة بن عرب حديثها على تونس، التي لا تزال لديها مستوياتٌ مقلقة من التطرف، وكانت الدولة ذات أكبر عددٍ من المقاتلين الأجانب، مقارنة بعدد السكان في داعش، وهي القضية التي فاجأت السلطات، ولا تزال موضع نقاش حيوي حول أسبابها. ولم تنفذ أي استراتيجية شاملة أو نهجٍ متكامل للتصدي لها.
في العقد الماضي، كانت الاستجابة في تونس بالأساس عبارة عن ردِّ فعل، وتركز على الجانب الأمني والعقابي إلى حدٍّ كبير، كما هو الحال مع معظم الحكومات. لقد فشلت السلطات في إعطاء الأولوية لمعالجة الأسباب الجذرية للتطرف والمظالم الأساسية. وترى أن الحكومات لم تفشل في معالجة هذه القضايا فحسب، بل أسهمت أيضًا في تفاقمها، خاصة في المناطق المهمشة اقتصاديًا في البلاد. الوضع الذي وصفته بن عرب يخلق ما تسميه فعليًا “متطرفو غرف النوم” (bedroom radicals): الشباب المحرومون من حقوقهم، وغالبًا الذين لا يعملون ولا يتابعون أي تعليم، الذين يعيشون داخل نوع من الفقاعة المتطرفة التي تعزِّز الرسالة المتطرفة.
أما أنطونيو جوستوزي فقد ركَّز على أفغانستان بعد استيلاء طالبان عليها. وتطرَّق إلى التأثير الذي من المرجح أن تحدثه دعاية طالبان على الجماعات الإسلاموية الأخرى، وميَّز بين إمارة طالبان نفسها، وعملية الغزو. ومن غير المرجح أن تمثل الإمارة نموذجًا للجماعات والتنظيمات الأخرى. فتنظيم القاعدة، على سبيل المثال، ينتقدها، على الرغم من أن هذا ليس الموقف الرسمي للقاعدة. وعلى الجانب الآخر، من المرجَّح أن تمثل عملية الغزو و”الجهاد الوطني” لطالبان مصدرَ إلهامٍ للجماعات الجهادية الأخرى.
وهذا يتماشى مع اتجاه كان قد بدأ يظهر بالفعل، استنادًا إلى الاهتمام المتنامي بالجهاد الوطني، بدلًا من الجهاد العالمي. وينطبق هذا، على سبيل المثال، على جماعاتٍ مثل جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام لاحقًا) في سوريا، التي مثلت ضربة كبيرة لتنظيم القاعدة. ويحذر جوستوزي من أن التنظيمات الجهادية في جميع أنحاء العالم تتساءل عما إذا كان لا يزال من الملائم العمل تحت راية القاعدة. إذ يعتقد الكثير منها أن الأمر قد لا يكون كذلك.