نقلا عن عين أوروبية على التطرف
جودي تيدور باومل شوارتز*
معاداة السامية، أو كراهية اليهود، ليست بالظاهرة الجديدة في أوروبا أو الولايات المتحدة. في البداية كانت معاداة السامية ظاهرة دينية، حيث اتهم المسيحيون اليهود بأنهم مخلوقاتٌ “شريرة” تساير الشيطان، ينشرون الأمراض، وينخرطون في طقوس مروِّعة، تضمنت قتل الأطفال المسيحيين لاستخدام دمائهم في إعداد خبز عيد الفصح، (قربان الدم سيئ السمعة).
في وقتٍ لاحق، مع عصر التنوير وصعود العلمانية، أخذت معاداة السامية طابعًا عنصريًا، حيث اعتبر اليهود “عرقًا” أدنى، يعتنقون معتقدات بدائية تمنع العالم من “خلاصه” الحقيقي، واعتبروا أنهم متلاعبون فائقو الذكاء بالأحداث العالمية، ينشرون الفوضى في المجتمعات غير اليهودية، وينخرطون في ممارساتٍ اقتصادية شريرة تهدف إلى السيطرة على العالم.
ميل المعادين للسامية لاتهام اليهود بارتكاب “جرائم” متناقضة أمرٌ ثابت: فلقد ألقي اللوم على اليهود لكونهم يقفون وراء الشيوعية والرأسمالية؛ وبأنهم باختصار مصدر كل شر موجود. وهكذا، استمر تقديم اليهود كبش فداء لجميع مشكلات العالم في العصر الحديث. وعلى مرِّ العصور، حُصِر اليهود في الأحياء اليهودية (جيتوهات)، وأجبروا على ارتداء ملابس خاصة أو قبعات أو علامات على ملابسهم، وقُتلوا في المذابح، وفي نهاية المطاف كادوا أن يبادوا عن بكرة أبيهم، عندما ذبح النازيون والمتعاونون معهم ستة ملايين يهودي في الهولوكوست (1933-1945).
لسنواتٍ عديدة بعد الهولوكوست، كان من “المحظورات السياسية” اتهام اليهود بكل شرور العالم، على الأقل في الغرب، ولكن بحلول السبعينيات والثمانينيات، تغيّر الوضع. فبقيادة الاتحاد السوفييتي، بدأت معاداة السامية في التعبير عن نفسها على أنها “معاداة للصهيونية”. وفي الآونةِ الأخيرة، عادت الأشكال القديمة من معاداة السامية، أحيانًا بصبغة “حديثة”، ولكن لا تختلف في جوهرها عن معاداة السامية التي كانت موجودة قبل الحرب العالمية الثانية.
قبل بضع سنوات، تواصلتُ مع صديقةٍ يهودية شابة تعيش في إحدى ضواحي باريس. كتبت لي: “لن تصدقي ما أراه من نافذتي… هناك حشد من الناس يقلبون صناديق القمامة، ويشوهون محطات الحافلات، ويفككون كل شيء في طريقهم. خمّن لماذا؟ من أجل التغيير، كونهم لا يجدون شيئًا يلومون اليهود عليه!” للوهلة الأولى يبدو أنها كانت تمزح حول حالة المظاهرات في فرنسا، لكنها كانت تكتب هذا بكل جديّة.
وخلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، اعتاد يهود فرنسا، إلى جانب يهود معظم أوروبا، على خروج مظاهرات ضدهم. كان جزء كبير من هذه المظاهرات يركز ظاهريًا على معاداة “الصهاينة”، ولكن في حالاتٍ أخرى، كان غضب المتظاهرين وأولئك الذين يدمرون الممتلكات ينصب على اليهود في كل مكان. لم يتوقف هؤلاء المعادون المعاصرون للسامية عند المظاهرات، أو رفع لافتات تحمل شعارات معادية للسامية، أو كتابة كتابات قبيحة ضد اليهود على جدران المباني ومحطات القطارات أو الحافلات.
انتهت بعض هذه الحوادث بالقتل في فرنسا. ففي عام 2012، قُتل مدرس وثلاثة تلاميذ في مدرسة يهودية في تولوز على يد جهادي. في عام 2016، أصيب يهود خلال هجمات في مرسيليا وستراسبورغ. في عام 2017، أرديت امرأة يهودية قتيلة بعد إلقائها من شرفة في باريس. وفي عام 2018، قتلت امرأة يهودية مسنة، ناجية من المحرقة، في باريس فيما وصفته الشرطة بأنه “جريمة كراهية”. إجمالًا في عام 2019، سُجل 687 عملًا وتهديدًا معاديًا للسامية في فرنسا، و339 في عام 2020، و589 في عام 2021.
الوضع في الدول الأخرى ليس أفضل. في النمسا، كان هناك 30 حادثة معادية للسامية بدافع التطرف اليميني في عام 2019، و36 في عام 2020، و53 في عام 2021. في بلجيكا، سجلت الشرطة 14 حالة إنكار للهولوكوست وتحريفها في عام 2019 و70 حالة معاداة للسامية؛ و27 حالة إنكار و115 حالة معاداة للسامية في عام 2020؛ و11 حالة إنكار و81 حالة معاداة للسامية في عام 2021. في الدنمارك، وقعت 51 جريمة متطرفة استهدفت اليهود في عام 2019، و79 جريمة في عام 2020، و94 حالة في عام 2021. والقائمة تطول وتطول.
في سويسرا، تعرّض اليهود للتهديد من قبل مهاجمين يحملون السكاكين، وفي بريطانيا يقع حوالي 100 حادث معادٍ للسامية شهريًا، بما في ذلك تشويه شواهد القبور اليهودية، وتخريب الممتلكات اليهودية، ورسم الصليب المعقوف على المتاجر اليهودية، وبالطبع، الاعتداءات الجسدية على الرجال والنساء والأطفال اليهود. وفي إيطاليا، ذكرت دراسة أجريت عام 2019 أن واحدًا من كل خمسة إيطاليين لديه آراء معادية للسامية. في بولندا والمجر، يستطيع اليهود السير في الشوارع مرتدين رموزًا يهودية مع خوف أقل من التعرّض للهجوم، لكن هذه الدول استثناءات من القاعدة.
يتكرر هذا النمط خارج أوروبا. وفقًا لرابطة مكافحة التشهير، التي تعد قوائم بالحوادث المعادية للسامية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وقعت 2,717 حادثة معادية للسامية في عام 2021 في الولايات المتحدة، بزيادة قدرها 34% عن 2,026 حادثة في عام 2020. تضمنت هذه الحوادث في الغالب التخريب والاعتداء. ولكن على عكس السنوات السابقة لم تحدث وفيات. العديد من هذه الحوادث ارتكبتها جماعاتٌ يمينية متطرفة، وارتكبها عنصريون بيض، بعضها يشير إلى “الصهيونية” ولكن الكثير منها يركز علانية على اليهود.
بعد مرورِ ثمانية وسبعين عامًا على تحرير أوشفيتز في 27 يناير 1945، التاريخ الذي أصبح فيما بعد اليوم الدولي لإحياء ذكرى المحرقة في جميع أنحاء العالم، لا تستمر معاداة السامية فحسب، بل تصل مرة أخرى إلى مستوى يُذكِّرنا بالسنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية. عند التحدث إلى كبار السن من الرجال والنساء، ممن هم في أواخر الثمانينيات، نجدهم أول من يقول إن ما نمر به حاليًا يُذكِّرهم بطفولتهم، وكيف أن الفترة التي أعقبت الحرب، حيث كانت الهجمات المعادية للسامية قليلة ومتباعدة، كانت حالة شاذة انتهت الآن.
من يقف وراء هذه الهجمات وماذا يمكن أن نتعلم منها؟ جماعات متطرفة، تنتمي إلى اليمين المتطرف، والإسلامويين في العموم، ولكن لا تقتصر عليهم. المهاجمون هم كبار وصغار، أغنياء وفقراء، ملحدون ومؤمنون. جميعهم يلقون باللوم على اليهود في العنصرية، والسيطرة على الاقتصاد العالمي، ومحاولة دفع الغرب إلى حربٍ عالمية أخرى. ويقدمون اليهودية على أنها دين وحشي.
وهكذا، شاع إنكار الهولوكوست، وانتشرت النزعة التحريفية مرة أخرى. يبدو الأمر كما لو أن العالم قد نسي دروس المحرقة، وما يمكن أن تفعله الكراهية. وكما قيل في كثيرٍ من الأحيان، “يبدأ الأمر فقط باليهود”. وبمجرد أن تبدأ هذه الكراهية تجاه اليهود، فإنها قد تطال ضحايا آخرين. لذا، فإن الأمر متروك لكل شخص يفكر ويهتم ليكون في حالة تأهب للمساعدة في وقف هذه الظاهرة شديدة الخطورة.