نقلا عن عين أوروبية على التطرف
حواس سينجر، محاضر في العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية في ليون، نائب مدير معهد دراسة الإسلام ومجتمعات العالم الإسلامي (IISMM) باريس.
فرنسا: الدولة الأكثر تأثرًا بالعنف الإسلاموي في الاتحاد الأوروبي (1979-2021)
على مدار العقود الأربعة الماضية، تأثّرت فرنسا بهجماتٍ إرهابية متعددة من قبل جماعات تدّعي أنها تعمل لمصلحة الإسلام. وقع اثنان وثمانون هجومًا من هذا القبيل، في الفترة بين عامي 1979 و12021. أسفرت هذه الهجمات عن مقتل 330 شخصًا، دون احتساب العديد من المصابين.
في الفترة ما بين عامي 1979 و2000، وقع أربعة وعشرون هجومًا أسفرت عن مقتل اثنين وثلاثين شخصًا. وبين عامي 2001 و2012، وقع ثماني هجماتٍ أسفرت عن مقتل ثمانية أشخاص. وأخيرًا، بين عامي 2013 ومايو 2021، وقع خمسون هجومًا أسفر عن مقتل 290 شخصًا.
من منطلق هذه الإحصائيات، فإن فرنسا تعدُّ الدولة الأكثر تضررًا في الاتحاد الأوروبي من الإرهاب الإسلاموي بشكلٍ عام، ولكن من الملاحظ أن وتيرة الهجمات ومحاولات الهجمات باسم الإسلام قد تباينت، وشهدت تسارعًا ملحوظًا منذ يناير 2015، لا سيّما مع مقتل موظفي صحيفة مجلة “شارلي إبدو” الساخرة. وفي وقتٍ لاحق من ذلك العام، قتل تنظيم داعش 130 شخصًا وأصاب 413 آخرين، في ليلةٍ واحدة في باتاكلان، وأهداف أخرى في باريس.
في أعقاب هذا الارتفاع الحاد في الهجمات الإرهابية الإسلاموية قبل سبع سنوات، تحرّكت الدولة الفرنسية لاستهداف الإسلاموية بجميع أشكالها ومظاهرها، بدلًا من استهداف الإرهاب حصرًا.
الهجمات والمشاعر الجماعية
ردًا على هذا العنف المتطرف، الذي أثار مشاعر قوية في المجتمع الفرنسي، اتخذتِ الدولة خطواتٍ سياسية مثيرة للجدل. إذ انتقلت الدولة إلى نهجٍ أكثر قسرًا ووقائية تجاه الإرهاب، ما عزّز قانون حالة الطوارئ الذي سنّ في الأصل في عام 1955 في سياق الحرب الجزائرية2. أعلنت السلطات الفرنسية حالةَ الطوارئ ليلة 13-14 نوفمبر 2015، وأجرت بعض التعديلات على القانون في غضون أسبوع. الجدير بالذكر أن وزير الداخلية وحكام الأقاليم يتمتعون الآن بسلطات حظر “بعض الاجتماعات العامة”، خاصة إذا كانت احتجاجات تعطِّل الطرق السريعة العامة، وقد أصدروا أوامر “بإغلاق أماكن عامة ودور عبادة”. إضافة إلى ذلك، جرى تعزيز سلطات الدولة في إجراء “عمليات تفتيش إدارية” وحظر المواقع الإلكترونية، ومستخدمي الإنترنت الذين يدعون إلى الإرهاب، أو يدافعون عنه.
ومددت السلطات الفرنسية أيضًا مرسوم حالة الطوارئ الصادر في نوفمبر 2015 مرات عدة، قبل أن ينتهي في 1 نوفمبر 2017، بعد إقرار قانون جديد يعرف باسم “تعزيز الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب” (SILT)، وهو المنظور الذي يتم من خلاله الآن إدارة الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب.
يهدف قانون تعزيز الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب، الذي أُقر في 30 أكتوبر 2017، إلى “تزويد الدولة بأدواتٍ جديدة لمكافحة الإرهاب، لكي تتمكن من وضع حدٍّ لنظام حالة الطوارئ المهين”3. ومع ذلك، كان القانون خادعًا، إلى حدٍّ ما: فبدلًا من إنهاء النظام القانوني لحالة الطوارئ، أُصبغ على نظام الطوارئ ما يشبه حالة الديمومة، وبات جزءًا من القانون العام الدائم، من خلال قانون تعزيز الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب.
وقد توسعت صلاحيات الشرطة التي يتمتع بها حكام الأقاليم، بحيث أصبح بمقدورهم الآن، على سبيل المثال، “تنفيذ الإغلاق الإداري، لمدة لا تتجاوز ستة أشهر، لدور العبادة بسبب الدفاع عن الإرهاب أو التحريض عليه”. وعلاوة على ذلك، “يجوز لوزير الداخلية أن يقرر تدابير المراقبة ضد أي شخص”، إذا كانت هناك “أسباب جدية تدعو إلى الاعتقاد بأن سلوكه يشكِّل تهديدًا خطيرًا بشكلٍ خاص للأمن والنظام العامين”. ويمكن لحكام الأقاليم أيضًا فرض حظر السفر وإصدار أوامر للشرطة بتفتيش أي موقع “يرتاده شخص يُشتبه في أنه إرهابي”. وخلال عمليات التفتيش هذه، أصبحت “مصادرة الوثائق أو المواد أو البيانات الموجودة” إجراءً اعتياديًا بموجب القانون4.
في البداية، يجب توضيح أن القوانين والتدابير الأخرى التي أقرتها فرنسا منذ عام 2015 -أولًا في عهد الرئيس فرانسوا هولاند (2012-2017)، ثم استمرت وترسّخت في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون حتى الآن- قد نجحت: ذلك أنه لم تحدث هجمات إرهابية أخرى تتسبب في وقوع عددٍ كبير من الضحايا.
على الرغم من ذلك، أعرب الليبراليون المدنيون -منذ بداية هذا المسار- عن قلقهم بشأن الطريقة التي تطبَّق بها حالة الطوارئ، وفي وقتٍ لاحق أعربوا عن مخاوفهم من أن لغة نص قانون “تعزيز الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب” فضفاضة وغامضة، بحيث إنها قد تفتح المجال لحدوث الانتهاكات. وقد انتقدت منظمات حقوق الإنسان الدولية هذه التدابير. ففي وقتٍ مبكر من عام 2015، حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” من المخاطر الكامنة في التدابير القمعية والوقائية التي تتبناها فرنسا، قائلة إنها “ستقوّض الحقوق وسيادة القانون”5.
في هذا الصدد، صدرت دعاوى عدة بأن سلطات فرض الإقامة الجبرية والتفتيش الإداري قد نُفذت بطريقةٍ تعسفية ضد المسلمين في فرنسا، حتى أولئك الذين يبدون سلميين ظاهريًا. وترى “هيومن رايتس ووتش” أن مصطلح “الأسباب الخطيرة” التي تدعوا للاشتباه في تورط شخص ما في نشاطٍ إرهابي قد سمحت بتوسيع صلاحيات الدولة الواسعة بالفعل:
“لدى فرنسا بالفعل قوانين مكافحة الإرهاب الأكثر شمولًا في القارة، وقوانين مراقبة واسعة، وكانت مسؤولة عن ممارسات مسيئة في مكافحة الإرهاب”6.
ويشتكي كثير من الناس، معظمهم من المسلمين، من استهدافهم ظلمًا، ما يُلحق بهم أضرارًا مادية ونفسية كبيرة7. ويحتج خبراء قانونيون على أن هذه التدابير تخلق بيئة “مقيدة للغاية للحقوق والحريات، يعتمد تنفيذها على مفهوم “الإرهاب” الذي لا يحدده القانون، ويتيح الهروب من سيطرة القُضاة، وعدم الخضوع لأي سيطرة مسبقة للقاضي الإداري، وهي الأمور التي كانت محل معارضة قوية من السلطات العليا، خلال المناقشات البرلمانية المتعلقة بقانون تعزيز الأمن الداخلي، ومكافحة الإرهاب لعام 2017″8.
يرى هذا المقال أن هناك مشكلتين رئيسيتين تطرحهما التدابير والمفاهيم الحكومية المعتمدة في مكافحة الإرهاب الإسلاموي منذ عام 2015: فمن ناحية، كما ذكر أعلاه، هناك صعوبة ليس في تعريف “الإرهاب” فحسب، بل “الإسلاموية” أيضًا، التي هي الهدف المعلن لهذه التدابير؛ ومن ناحيةٍ أخرى، حتى من منظور هذه القوانين نفسها، هناك تباين كبير بين الغرض المعلن -كبح الإسلاموية- والأدوات المصممة والمستخدمة لتحقيق ذلك.
الإسلاموية: التعريف العلمي، والاستخدامات الاجتماعية والسياسية
غنيٌّ عن القول أن هناك عددًا لا يحصى من الكتب والمقالات والمؤتمرات التي خصصت لتعريف “الإسلاموية”9. يحدث هذا على خلفية التسييس الشديد للإسلام، من داخله وخارجه. لقد جاء هذا الدين كنظام فكري شامل أو متكامل، سواء على مستوى الفكر البشري أو العمل. لكن منظريه ونشطائه يمكن أن يكونوا متقيدين بمبادئ الشريعة أو عنيفين، معتدلين أو متطرفين في مطالبهم. بيد أن التعريف تجاهل هذه الفروق الدقيقة إلى حد كبير، وباللغة الاجتماعية والسياسية الفرنسية، أصبح “الإسلاموي” الآن مكافئًا بشكلٍ منهجي تقريبًا بـ “الإرهابي” أو على الأقل شريك في الإرهاب. لم يكن هذا الارتباك واضحًا على الفور في عام 2015 منذ أن ركز الخطاب الرسمي حتى عام 2017 تقريبًا على مكافحة “الإرهاب” أو “الجهادية”، أي أولئك الذين نفذوا أنشطتهم القاتلة تحت راية الإسلام.
وقد بدأ هذا التحوّل حتى قبل هياج تنظيم داعش في باريس في نوفمبر 2015. بعد مذبحة شارلي إبدو قبل عشرة أشهر، أعلنت الحكومة الاشتراكية آنذاك عن خططٍ “لتعزيز عملها ضد التهديد الإرهابي”، وأطلقت موقعا إلكترونيًا مخصصًا لذلك، Stop-djihadisme.gouv.fr، في 28 يناير 102015. في ذلك الوقت، كان الأمر يتعلق بالأساس بـ”منع” العمل الإرهابي من خلال توقع “تطرف” الشباب وإحباطه. يذكر الموقع الإلكتروني بوضوح أن “التطرف الجهادي مدفوع بالرغبة في استبدال الديمقراطية بدولة ثيوقراطية تستند إلى الشريعة الإسلامية من خلال استخدام العنف”11. وقد جرى تنقيح هذه الحجة، والأدوات الحكومية المخصصة للعمل بها وتصحيحها وإثرائها منذ 2015-2016.
كانت المشكلة الواضحة في الأشهر القليلة الأولى بعد إطلاق الموقع هي بعض الخلط بين السلوك الديني الملتزم للمسلمين، والرغبة في ارتكاب أعمال عنف بدافع الجهادية12. وبناء على اقتراح عالم الاجتماع فرهاد خسروخافار، جرى تعديل تعريف الموقع لمصطلح “التطرف”، وأصبح ينص الآن على ما يلي:
“[التطرف] هو العملية التي يتبنى من خلالها فرد أو مجموعة شكلًا من أشكال العمل العنيف، يرتبط ارتباطًا مباشرًا بأيديولوجية متطرفة ذات محتوى سياسي أو اجتماعي أو ديني، يتحدى النظام السياسي والاجتماعي والثقافي القائم”13.
علاوةً على ما سبق، حدث تحوّل نوعي آخر في نظرة الدولة للتطرف، حيث جرى توسيع الظاهرة، بحيث لم تعد تركِّز على الإسلام وحده. إذ يحدِّد التعريف الآن أن “التطرف” هو “تبني أيديولوجية -دينية أو غير دينية- [التي] تعطي الفرد إطارًا للحياة، أي مرجعية توجّه كل سلوكه، التي ربما تقوده إلى قبول الأعمال العنيفة. هذا التوجّه المتطرف يقوده إلى رفض قيم مجتمعه، واعتبار مواطنيه أعداء”.
كما وسّعتِ الدولة، التي تعرضت جزئيًا لضغوطٍ من النقاد، مفهومها عن مصدر الجهادية:
“تشير البيانات الاجتماعية عن هؤلاء الأشخاص إلى اتجاهاتٍ رئيسة، ولكن أيضًا إلى تنوع في السمات الشخصية، بما يتجاوز التفسيرات التبسيطية. لذلك لا توجد سمات تعريف نموذجية. يبقى التطرف نتيجة لعملية تطورية، وليس نتيجة “تحول” مفاجئ. إنها نتيجة لمسارات شخصية، ولا توجد تفسيرات منهجية لهذه المسارات14.
لقد كانت هناك أفكار في عام 2016 حول صورة “نموذجية” للفرد “المتطرف”، أي نتيجة تلاقي مسار السيرة الذاتية، والسياق، وتوافر أيديولوجية في مجال الحياة الحديثة. أما الخصوصيات التي تؤدي إلى الجهادية فلم تُشرح بشكلٍ واضح، ناهيك عن إثباتها.
وأوْلت الحكومة اهتمامًا إلى جانبٍ آخر “يقدِّم فيه الخطاب الجهادي نفسه على أنه ثقافة مضادة لما يُنظر إليه على أنه ثقافة مهيمنة. ويسعى إلى خلق شعورٍ قوي بالهوية والانقسام بين “السكان المسلمين” وبقية السكان. هذا الخطاب يجمع بين الأيديولوجية السياسية-الدينية المرتكزة على العنف، ومفهوم الهوية الحصرية والكراهية، وخطاب الضحية والمؤامرة، واقتراح عالم خيالي ديني وأخروي على حد سواء (نهاية الأزمنة)، واستخدام وسائل الإعلام التقليدية والإنترنت بكل أشكالها (المدونات، المواقع، مقاطع الفيديو، شبكات التواصل الاجتماعي، المنتديات، والدردشة)”15. وبعبارةٍ أخرى، فإن الأشخاص الذين كانوا سيكوِّنون “عصابات حضرية” شيوعية في فترة السبعينيات، يميلون الآن إلى أن يصبحوا جهاديين.
هذا الإدراك دفع الدولة في الفترة بين عامي 2015 و2017 إلى التركيز بشكلٍ أقل على الإسلاموية -وهي كلمة غائبة تمامًا تقريبًا عن المفردات الرسمية في ذلك الوقت- وبشكلٍ أكبر على التطرف الجهادي، مع استمرار الجهود لتنقيح المصطلحات لتجنب الانتهاكات، جهود حققت في النهاية نجاحًا متباينًا في أحسن الأحوال. وأدّى انتخاب ماكرون في عام 2017، واستمرار الهجمات والمؤامرات الإرهابية، وإن لم يكن مرةً أخرى على نطاق فظائع نوفمبر 2015، إلى مزيدٍ من التصلب في موقف السلطات الفرنسية، ومجموعة جديدة من المبادرات والقوانين الوقائية، لا سيّما القانون الذي يعزِّز احترام مبادئ الجمهورية، المعتمد في 24 أغسطس 162021.
من الحرب ضد التطرف الجهادي والإرهاب إلى الحرب ضد الإسلاموية والممارسات الإسلاموية المتزمتة
كان على ماكرون، مثل سلفه، التعامل مع موجةٍ من الهجمات الإرهابية التي دبرها تنظيم داعش. وفي هذا السياق، شهدت الأمانة العامة للجنة المشتركة بين الوزارات لمنع الجنوح والتطرف، التي تأسست في البداية في عام 2006، توسيع نطاق صلاحياتها، ومواضيع تدخلها. وتتمثل مهامها الرئيسة في منع “الظواهر التي تمزق النسيج الاجتماعي، والتي تضعف مجتمعنا، من خلال السياسات العامة المناسبة… [و] دعم الشبكة الإقليمية والمركزية من أجل الدفاع عن نموذجنا الجمهوري، وقيمه، وحمايتها”17. وجرى توسيع نطاق عملها في عام 2020، بعد مقتل مدرس التاريخ والجغرافيا صموئيل باتي بقطع رأسه، على يد شخص من أصل شيشاني في 16 أكتوبر 2020.
وقد أدرج الخطاب الرئاسي، في لي مورو في 2 أكتوبر 2020، بالفعل مكافحة الإسلاموية، وبشكلٍ أكثر تحديدًا، “النزعة الانفصالية الإسلاموية”، على جدول الأعمال العام:
“هذا المشروع الواعي السياسي-الديني المفترض، الذي يأخذ شكل انحرافات متكررة عن قيم الجمهورية، غالبًا ما يؤدِّي إلى تشكيل مجتمعٍ مضاد، تتمثل مظاهره في إخراج الأطفال من المدارس الرسمية، وتعليمهم بالمنزل، وتطوير ممارسات رياضية وثقافية مجتمعية، تؤخذ كذريعة لتدريس المبادئ التي لا تتوافق مع قوانين الجمهورية. إنه التلقين العقائدي الذي يتم من خلاله إنكار مبادئنا المتمثلة في المساواة بين المرأة والرجل، والكرامة الإنسانية. المشكلة هي هذه الأيديولوجية التي تؤكد أن قوانينها الخاصة متفوقة على قوانين الجمهورية”18.
تضم الأمانة العامة للجنة المشتركة بين الوزارات لمنع الجنوح والتطرف قسمًا محددًا مخصصًا لـ “مكافحة الإسلاموية”، الذي يُعرّف النزعة الانفصالية بالعبارات التالية19:
“يتولى جميع الإجراءات التي تهدف إلى منع المقترحات ذات الأهداف الانفصالية، وإعاقتها وكبحها، ما يجعل من الممكن وقف انتشار المذاهب السياسية أو السياسية-الدينية التي تتعارض مع الميثاق الجمهوري”.
يتولى أيضًا مسألة مكافحة ظاهرة “الانسحاب المجتمعي”، التي تُعرّف على النحو التالي:
“الجماعانية ]الانعزال المجتمعي[ هي الرغبة في إخضاع مجموعة أو منطقة اجتماعية لمعايير مستمدة من تفسير دين ما، في هذه الحالة الإسلام. وتؤدي هذه الظاهرة إلى تنظيم جزء كبير من الحياة الاجتماعية، والسيطرة عليها، من قبل مجموعات مستوحاة من الدين ومتزمتة ودعوية، بعضها يحمل مشروعًا سياسيًا للقطيعة والانفصال”.
توجد مشكلة واضحة في هذا التعريف الفضفاض لمصطلح الإسلاموية: أنه يطمس التمييز بين المسلمين الذين يلتزمون بتفسيرٍ صارم للمبادئ الأخلاقية والسلوكية لدينهم، والإسلام السياسي كأيديولوجية، ونشاطه السياسي الديني والقانوني. كما لا يوجد تمييزٌ واضح بين الإسلاموية التي تتقيد بحرفية بمبادئ الدين والجهادية. ومن الناحية العملية، فإنه يترك المسلمين الذين يعبِّرون عن أي شكلٍ من أشكال عدم الثقة في السياسات العامة عُرضة لتهمة “الانفصالية”، خاصة إذا كانت شكواهم لها أساس ديني.
في يونيو 2021، أصدرت رابطة حقوق الإنسان رسالةً جماعية في صحيفة “ليبراسيون” اليومية الفرنسية الكبرى، وقعتها خمسون منظمة، وأربع وخمسون شخصية، ندَّدت فيها بما اعتبروه الجوانب المدمرة للحريات لقانون 24 أغسطس 2021 وكل ما أدّى إليه20. قال الموقعون: “هذا نص يثير الانقسام، وينطوي على مبالغةٍ في استخدام النهج الأمني، ويخاطر بتقويض التوازن الذي حققته القوانين العلمانية الكبرى في الأعوام 1882 و1901 و1905 […] هذا المشروع يزيد من تفتيت المجتمع الفرنسي، ويلقي بظلالٍ من الشك على نطاق واسع على المسلمين، وكذلك على جميع الجمعيات والمواطنين الملتزمين”21.
الخلاصة
لا جدال أنه يحق لأي دولةٍ ديمقراطية تحكمها سيادة القانون أن تستخدم وسائل فعّالة وكفؤة للحدِّ من السلوك الذي يقوِّض سلامة ممتلكات السكان وأمنهم، أيًا كانت الأيديولوجية الكامنة وراءها. ومع ذلك، فإن المعركة المشروعة ضد الجهادية، أي هذه النسخة العنيفة للغاية من الإسلام، قد دفعت السلطات الفرنسية إلى تبني تدابير غير دقيقة بما فيه الكفاية، في التمييز بين النزعة المحافظة دينيًا والتطرف السياسي، ما يطرح أسئلة مهمة حول القانون العام.
هذا النهج، الذي ازداد تشددًا بشكلٍ كبير منذ عام 2020، يدفع الدولة والمسؤولين عن الأمن العام إلى تبني منطق يُلقي في جوهره بظلالٍ من الشك على المواطنين المسلمين الذين ينتقدون السياسات العامة باعتبارهم “منحرفين”، وربما باعتبارهم مثيرين للفتنة.
*يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.
المراجع:
[1] Islamist attacks in the world 1979-2021 – Fondapol Accessed on July 1, 2022
[2] State of emergency and other exceptional regimes article 16 state of siege | vie-publique.fr Accessed on 4 July 2022.
[3] Law on internal security and the fight against terrorism, loi SILT | vie-publique.fr Accessed on 4 July 2022.
[4] Ibid.
[5] France: Exceptional powers must not be normalized | Human Rights Watch (hrw.org) Accessed July 4, 2022.
[6] Ibid.
[7] France: Disproportionate emergency measures leave hundreds traumatized (amnesty.org) Accessed 4 July 2022.
[8] Strengthening the prevention of terrorist acts: the law published – Organized crime and terrorism | Dalloz Actualité (dalloz-actualite.fr) Accessed on 4 July 2022.
[9] See in particular Haoues Seniguer, Les (neo)Frères musulmans et le nouvel esprit capitaliste. Entre rigorisme moral, cryptocapitalisme et anticapitalisme, Lormont, Le Bord de l’eau, 2020. Or this interview: Interview with Haoues Seniguer – Islamism (lesclesdumoyenorient.com)
[10] Stop jihadism: against jihadism, all vigilant and all actors | Gouvernement.fr Consulted on 4 July 2022.
[11] La radicalisation | Stop-Djihadisme Accessed 4 July 2022.
[12] SENIGUER Haouès, ‘On some reflections on the sinuosities of radicalisation’, History, World and Religious Cultures, 2016/3 (No. 39), pp. 13-31. DOI: 10.3917/hmc.039.0013. URL: https://www.cairn.info/revue-histoire-monde-et-cultures-religieuses-2016-3-page-13.htm
[13] Radicalization: What is it? | Stop-Djihadisme Accessed 4 July 2022.
[14] Ibid.
[15] Ibid.
[16] LAW n° 2021-1109 of 24 August 2021 reinforcing the respect of the principles of the Republic (1) – Légifrance (legifrance.gouv.fr) Accessed on 4 July 2022.
[17] The SG-CIPDR – Interministerial Committee for the Prevention of Delinquency and Radicalisation Consulted on 4 July 2022.
[18] The Republic in action: speech by the President of the Republic on the theme of the fight against separatism. | Élysée (elysee.fr) Accessed on 4 July 2022.
[19] Islamism and separatism – Comité Interministériel de Prévention de la Délinquance et de la Radicalisation (cipdr.gouv.fr) Accessed on 4 July 2022.
[20] Collective opinion column – “Separatism law: There is still time” published in Libération – Ligue des droits de l’Homme (ldh-france.org) Accessed on 4 July 2022
[21] Ibid.